شهادة الشهود في النظام السعودي

شهادة الشهود في النظام السعودي تعد من أبرز وسائل الإثبات المعتمدة في المحاكم، حيث تلعب دورًا حاسمًا في كشف الحقيقة وإثبات الوقائع المتنازع عليها و تُعتبر الشهادة وسيلة فعّالة لتقديم الأدلة أمام القضاء، مما يسهم في تحقيق العدالة وضمان حقوق الأطراف المتنازعة. 

في هذا المقال، سنستعرض بشكل مفصل الجوانب المختلفة المتعلقة بـ شهادة الشهود، بما في ذلك تعريف الشهادة ،شروط الشهادة، موانعها، إجراءاتها، حجيتها، والضوابط الخاصة بها في القضايا المختلفة، 

كما سنتناول جريمة شهادة الزور وشروط تحققها وعقوبتها وأثرها السلبي على سير العدالة وثقة المجتمع في النظام القضائي 

شهادة الشهود في النظام السعودي

تُعد شهادة الشهود في النظام السعودي من أبرز وسائل الإثبات المعتمدة أمام القضاء، وهي قائمة على مبدأ الشهادة المباشرة من أشخاص عاينوا الواقعة 

 ويستمد النظام السعودي أحكام الشهادة من الشريعة الإسلامية، ويُعززها عبر أنظمة معاصرة مثل نظام الإثبات الصادر عام 1443هـ، الذي وضع ضوابط دقيقة لقبول الشهادة وتنظيم إجراءاتها.

شروط الشاهد في النظام السعودي: متى تُقبل شهادته؟

 للقبول بشهادة الشاهد في النظام السعودي، يجب توافر عدة شروط أساسية وقد نظمت المادة رقم (٧٠) والمادة رقم (٧١) من نظام الإثبات السعودي شروط الأخذ بشهادة الشهود كالآتي:

• البلوغ: 

يجب أن يكون الشاهد قد بلغ سن الخامسة عشرة. 

• العقل:

 يشترط أن يكون الشاهد عاقلًا، فلا تُقبل شهادة المجنون أو من فقد وعيه. 

• العدالة:

 يُشترط أن يكون الشاهد عدلًا، أي معروفًا بالصدق والأمانة. 

• عدم وجود مصلحة:

 يجب ألا يكون للشاهد مصلحة مباشرة في القضية. 

• الإسلام:

 في بعض القضايا، يُشترط أن يكون الشاهد مسلمًا، خاصة في القضايا التي تتعلق بأحكام الشريعة الإسلامية. 

موانع الشهادة في النظام السعودي

 وفقًا لنظام الإثبات السعودي هناك حالات يُمنع فيها الشخص من أداء الشهادة، وتشمل: 

• القرابة المؤثرة:

 لا تُقبل شهادة الأصول للفروع والعكس، مثل شهادة الأب لابنه. 

• العداوة أو المصلحة: 

إذا كان للشاهد عداوة أو مصلحة شخصية في القضية، تُرفض شهادته. 

• الوظائف العامة:

 لا يجوز للموظفين والمكلفين بخدمة عامة – ولو بعد تركهم العمل – أن يشهدوا بما وصل إلى علمهم بحكم عملهم من معلومات سرية، ما لم ترتفع عنها صفة السرية أو تأذن الجهة المختصة في الشهادة بها، بناءً على طلب المحكمة أو أحد الخصوم. 

• عدم البلوغ:

لا تُقبل شهادة الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد، لأنه يُعتبر غير مكتمل الإدراك والتمييز، ولا يُعتمد على أقواله في مسائل تستلزم المسؤولية.

•  الجنون أو فقدان الإدراك:

يُعد الجنون أو الإصابة بمرض نفسي أو عقلي مؤثر على الإدراك سببًا مانعًا للشهادة، لأن الشاهد يجب أن يكون قادرًا على الفهم والاستيعاب الكامل للوقائع التي يشهد بها.

•  الإدانة في جرائم الشرف أو الأمانة:

لا تُقبل شهادة من صدر بحقه حكم نهائي في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، مثل السرقة أو الرشوة أو التزوير، ما لم يُرد إليه اعتباره رسميًا بحكم قضائي.

•  عدم توفر الاستقلالية أو التبعية:

كأن يكون الشاهد تابعًا أو خاضعًا لسلطة أحد الخصوم، مثل الموظف عند مديره، أو العامل عند كفيله، خاصةً إذا تبين أن العلاقة قد تؤثر على موضوعية الشهادة.

• الجهل بالواقعة المشهودة:

يُعد الجهل بالواقعة مانعًا جوهريًا، فلا تُقبل شهادة الشاهد في النظام السعودي من لم يعاين أو يسمع الواقعة بنفسه، إذ يشترط أن تكون الشهادة مبنية على علم مباشر غير منقول.

يمكنك التعرف بشكل أكبر على موانع الشهادة في النظام السعودي -الممنوعين من الشهادة 2024

إجراءات الإدلاء بالشهادة أمام المحكمة

تتبع شهادة الشهود في النظام السعودي إجراءات محددة أمام المحكمة لضمان صحتها: 

•  طلب الشهادة: 

يجب على الخصم الذي يطلب الإثبات بشهادة الشهود أن يبين الوقائع التي يريد إثباتها، وعدد الشهود وأسماءهم. 

• تحديد الجلسة:

 تحدد المحكمة جلسة لسماع الشهادة، ويجب على الشهود الحضور في الموعد المحدد. 

•  أداء الشهادة:

وفقًا للمادة رقم (٧٥) من نظام الإثبات تؤدى الشهادة شفاهاً بحضور الخصوم، وتسمع شهادة كل شاهد على انفراد 

•  تحليف الشاهد:

 يجوز للمحكمة وفقًا للمادة رقم (٧٤) من نظام الإثبات ،تحليف الشاهد عند الاقتضاء، وإذا امتنع عن الحلف فتقدر المحكمة أثر ذلك. 

• تدوين الشهادة:

وفقًا للمادة رقم (٧٨) من النظام نفسه ، تدون الشهادة في محضر، يثبت فيه بيانات الشاهد، وجهة اتصاله بالخصوم، ونص شهادته، وإجابته عما وجه إليه من أسئلة. 

الاعتراض على شهادة الشهود

يحق للخصم المشهود عليه الاعتراض على شهادة الشاهد في الحالات التالية: 

• الطعن في عدالة الشاهد: 

إذا كان الشاهد غير معروف بالعدالة أو لديه سوابق تؤثر على مصداقيته. 

• وجود مصلحة:

 إذا كان للشاهد مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في القضية. 

• القرابة أو العداوة: 

إذا كان الشاهد قريبًا أو عدوًا لأحد الخصوم. 

تُقدم الاعتراضات إلى المحكمة، التي تقدر أثرها في الشهادة وفقًا لنظام الإثبات السعودي. 

حجية شهادة الشهود في الإثبات: متى تكون ملزمة؟

تُعتبر شهادة الشهود في النظام السعودي من وسائل الإثبات التي تأخذ بها المحكمة إذا اقتنعت بصحتها، ولكنها لا تكون ملزمة إذا كانت هناك أدلة أقوى. 

ووفقًا للمادة رقم (٧٦) من نظام الإثبات السعودي “تأخذ المحكمة حال اختلاف شهادة الشهود بالقدر الذي تقتنع بصحته من الشهادة، على ألا يؤدي هذا الاختلاف إلى التناقض في شهادتهم”

إطلع أيضا على إثبات ورفع دعوى نصب واحتيال في السعودية

تزكية الشهود في النظام السعودي: متى تُطلب؟

تزكية الشهود تعني التحقق من عدالة الشاهد، وهي ليست شرطًا لقبول الشهادة، ولكن المحكمة قد تطلبها عند الاقتضاء 

ووفقًا للمادة رقم (٧٩) من نظام الإثبات ” للمحكمة تقدير عدالة الشاهد من حيث سلوكه وتصرفه وغير ذلك من ظروف الدعوى، دون حاجة إلى التزكية”

ووفقًا للمادة رقم (٨٠) من النظام نفسه للمحكمة الحق في تحرير محضر وإحالة الشاهد للنيابة العامة إذا ثبت للمحكمة أنه شاهد زور 

شهادة الأقارب في النظام السعودي: هل تُقبل دائمًا؟

تُقبل شهادة الأقارب في النظام السعودي بشرط عدم وجود مصلحة مباشرة أو تأثير على الشهادة. 

ومع ذلك، لا تُقبل شهادة الأصول للفروع والعكس، مثل شهادة الأب لابنه، وذلك لضمان حيادية الشهادة وعدم تأثرها بالعلاقات العائلية. 

سقوط شهادة الشهود

تسقط شهادة الشهود في النظام السعودي في الحالات التالية: 

• عدم تقديم الشهادة في الوقت المحدد:

إذا قررت المحكمة سماع الشهود، وطلبت من الخصم الذي تمسك بالشهادة أن يُحضر شهوده في جلسة معينة، وتخلف عن ذلك دون عذر تقبله المحكمة، فيجوز لها اعتبار الحق في الشهادة ساقطًا.

•  تقديم الشهادة بعد فوات مرحلة الإثبات:

ينبغي تقديم الشهادة خلال مرحلة الإثبات في الدعوى، فإذا فاتت هذه المرحلة دون أن يطلب الخصم سماع الشهود، أو لم يقدم الطلب في الوقت المسموح به، سقط حقه في الإثبات بالشهادة، إلا في حالات استثنائية تقبلها المحكمة.

•  ثبوت وجود مانع من موانع الشهادة:

إذا ثبت أن الشاهد غير مؤهل للإدلاء بالشهادة (مثل أن يكون له مصلحة في القضية أو سبق الحكم عليه في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة)، تسقط شهادته تلقائيًا، ولا تُعد من وسائل الإثبات المقبولة.

• العدول عن الشهادة أو التناقض الجوهري

إذا عدل الشاهد عن أقواله أمام المحكمة أو وقع في تناقض جوهري يقدح في مصداقيته، فيجوز للمحكمة إسقاط شهادته أو عدم الاعتداد بها.

• ثبوت الشهادة بالتواطؤ أو الكذب:

إذا ظهر للمحكمة أن الشهادة قد بُنيت على اتفاق مسبق أو كذب صريح، فلها أن تُسقطها وتحيل الشاهد إلى الجهات المختصة بتهمة الشهادة الزور

الفرق بين الشهادة والقرائن في الإثبات: ما الذي يُرجح؟

الشهادة والقرائن هما من وسائل الإثبات، ولكل منهما وزنه في تقدير المحكمة: 

• الشهادة: 

تُعتبر دليلًا مباشرًا يعتمد على أقوال الشهود حول الواقعة. 

• القرائن: 

هي استنتاجات تستخلصها المحكمة من وقائع ثابتة تؤدي إلى إثبات الواقعة المتنازع عليها. 

تُرجح المحكمة بين الشهادة والقرائن بناءً على قوة كل منهما ومدى اقتناعها بصحة الأدلة المقدمة. 

ضوابط خاصة في شهادة الشهود في القضايا الجنائية

في القضايا الجنائية، تحاط شهادة الشهود في النظام السعودي بضوابط أكثر دقة لضمان تحقيق العدالة في المسائل التي تتعلق بحرية الأفراد أو حياتهم. ومن أبرز هذه الضوابط:

• عدد الشهود:

 في بعض الجرائم، مثل جرائم الحدود، يشترط حضور عدد معين من الشهود. فعلى سبيل المثال، يشترط أربعة شهود في إثبات الزنا، كما ورد في الشريعة الإسلامية المعتمدة ضمن النظام السعودي.

• تحديد الوقائع بدقة: 

يجب أن تكون شهادة الشاهد في النظام السعودي محددة وواضحة، ولا تقبل الشهادات المبنية على الظن أو الاستنتاج، خصوصاً في الجرائم التي يترتب عليها حد أو قصاص.

• مراعاة حقوق الدفاع:

 يتم سماع شهادة الشهود في النظام السعودي بحضور المتهم، وله الحق في مناقشة الشهود والطعن في أقوالهم، ضماناً لحق الدفاع المكفول له بموجب الأنظمة العدلية في المملكة.

• ضرورة عدالة الشهود:

 تشدد المحاكم الجنائية في التحقق من عدالة الشهود وخلو شهاداتهم من التناقض أو التأثر بأي دوافع شخصية.

• سرية الإجراءات: 

في بعض القضايا، خصوصًا تلك المتعلقة بالآداب أو الأمن العام، قد تقرر المحكمة أن تتم إجراءات الشهادة بشكل سري حفاظًا على النظام العام أو المصلحة العامة.

وقد نظّم نظام الإجراءات الجزائية في السعودية هذه المسائل بدقة في المواد من (١٦٢) إلى (١٦٩)

شروط تحقق جريمة  الشهادة الزور في النظام السعودي

تعني شهادة الزور: الإدلاء بأقوال غير صحيحة عمدًا أمام جهة قضائية أو رسمية، سواء في دعوى مدنية أو جزائية، ويشترط لقيام الجريمة توفر الشروط الآتية:

•  أن يكون الشاهد قد أُدلي بشهادته أمام جهة مختصة رسميًا (كمحكمة، هيئة تحقيق، أو جهة لها صفة قضائية).
•  أن تكون الشهادة كاذبة عمدًا، أي أن الشاهد يعلم بعدم صحتها.
• وجود نية تضليل العدالة أو الإضرار بأحد الأطراف.
•  ألا يكون الشاهد قد عدل عن شهادته قبل الحكم بناءً على أقواله.

عقوبة الشهادة الزور في النظام السعودي

عقوبة شهادة الزور في النظام السعودي هي عقوبة تعزيرية ، تُترك لتقدير القاضي بناءً على ظروف القضية وخطورتها

  ووفقًا للمادة  رقم (166) من نظام الإجراءات الجزائية، يُعاقب من يُثبت عليه شهادة الزور بعقوبة تعزيرية، والتي قد تشمل السجن أو الغرامة أو كليهما، حسب ما يراه القاضي مناسبًا.  

أثر شهادة الزور على العدالة

تُعد شهادة الزور من الجرائم الماسة بالثقة العامة، وقد تؤدي إلى:

• ضياع الحقوق.
• ظلم الأبرياء.
• تعطيل سير العدالة.
• تقويض ثقة المجتمع في النظام القضائي.

لذلك، تتعامل المحاكم السعودية مع هذا النوع من الجرائم بحزم، وقد تُحال إلى النيابة العامة فور اكتشافها، للتحقيق مع الشاهد واتخاذ الإجراءات النظامية بحقه.

الخاتمة

في الختام، يمكن القول إن شهادة الشهود في النظام السعودي تُمثل ركيزة أساسية من ركائز الإثبات في القضاء، سواء في الدعاوى المدنية أو الجنائية. وقد حرص النظام السعودي، من خلال نظام الإثبات وغيره من الأنظمة القضائية ذات الصلة، على وضع ضوابط دقيقة ومتكاملة تضمن موثوقية الشهادة وتحقيق العدالة في الإجراءات القضائية ولقد استعرضنا في هذا المقال تعريف و شروط الشهادة وموانعها، وإجراءات الإدلاء بها، وحجيتها، وضوابطها الخاصة في القضايا المختلفة، كما سلطنا الضوء على الشهادة الزور وشروط تحققها وعقوبتها وأثرها على سير العدالة .